الجمعة، 25 مارس 2016

خطبة عن العمل الصالح



الحمدُ للهِ الّذي كان بِعبادِهِ خبيراً بصيراً ، وتباركَ الّذي جعلَ في السماءِ بروجاً وجَعَلَ فيِها سِراجاً وقمراً مُنيراً (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً ) وأشهدُ إن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأشهدُ أنّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ ، أرسلَهُ اللهُ بين يدي السّاعةِ ، هادياً ومُبشراً ونذيراً  وداعياً إلى اللهِ بأذنِهِ وسراجاً منيراً ، فنشهدُ أنهُ بلغَ الرسالةَ وأدى الأمانةَ ، ونصحَ الأُمةَ ، وجاهدَ في اللهِ حقَّ جهادِهِ حتى أتاهُ اليقينُ ، تركنا على المحجةِ البيضاءِ ، ليلُها كنهارِها لا بزيغُ عنها إلا هالكٌ ، فصلواتُ ربي وسلامُهُ عليهِ وعلى إلِهِ وصحبِهِ ومن سارَ على نهجِهِ إلى يومِ الدينِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) (يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) أما بعد:أيُّها الأحبةُ في الله فَإنَّ العَمَلَ الصّالِحَ  مُهِمٌ جداً ، والاعتناءُ به والحرصُ عليه ، من أوجبِ الواجباتِ ، لأنه سَببٌ لسعادةِ وانشراحِ الصدرِ ، في الحياةِ الدُّنيا ، وبعد المماتِ ، إلى أن تُنالَ الدرجاتُ العُلا في الجنةِ ، يقولُ تعالى ( وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) ولكنْ ويا للأسفِ ، هيمنتْ الدنيا على القلوبِ ، وانشغلتْ بها النفوسُ ، فانصرفتْ إليها الهِمَمُ ، وصارتِ الأعمالُ ، بها .. ولها .. ومن أجلِها ، وفي سننِ ابن ماجةَ ، يقولُ عليه الصلاةُ والسلامُ { من كانتْ الدنيا همَّه  فرقَ اللهُ عليه أمرَهُ ، وجَعَلَ فقرَهُ بين عينيه ، ولم يأتِهِ من الدنيا إلا ما كُتِبَ له ، ومن كانتْ الآخرةُ نيتَهُ جمعَ اللهُ لهُ أمرَهُ وجعلَ غناه في قلبِهِ وأتتُهُ الدُّنيا وهي راغمةٌ } والعملُ هو الّذي يتمناه المُحتَظرُ، وهُوَ في سياقِ الموتِ (حتى إذا جَاءَ أحدَهُمَ الموتُ قالَ ربِّ ارجعون . لعَلّي أعملُ صالِحاً فِيما تركـت ) وَيَتمنّاهُ أهلُ النّارِ ، حينما يلقونَ فِيها ( وَهُم يصطَرِخون فيها . رَبَّنآأخرِجنا نعمَلُ صالِحاً غيرَ الّذي كُنّا نعمل ) ومن يقرءُ القرءانَ بقلبٍ حاضِر ، يجِدُ أن الله جلّ في عُلاه ، يوجهُ العِبادَ إلى العملِ ، في كَثيرٍ من الأياتِ فَتارةً يُعلّقُ الجزاءَ بِالعَمَلِ ، كما في قولِهِ تعالى : ( ولا تجزون إلاّ ماكنتُم تعمَلُون ) وتارةً يخبرُ بِاطّلاعِهِ على العملِ ، كما في قولِهِ تعالى : ( واللهُ بٍما تعمَلونَ بصير ) ( واللهُ خبيرٌ بِما تَعمَلون ) وتارةً : يُخبِرُنا أنّهُ وكّلَ بِنا حَفَظةً ، يُسجلونَ أعمالَنا ويُحصونها ، كما في قولِهِ تعالى : ( وإنَّ عَلَيكُم لحافِظِين . كِرَاماً كاتبين ، يعلمونَ ما تفعلُون ) وَتارةً يُخبرُنا أنَنَا سنلقى ما عَمِلناهُ يومَ القيامةِ ، ونَرَاهُ ونقرءُهُ ، كما قالَ تعالى ( يَومئذٍ يَصدُرُ الناسُ أشتاتاً ليُروا أعمالهم ، فَمن يَعمَل مِثقَال ذَرَّةٍ خَيراً يَرَهُ ، ومَنَ يعمل مثقالَ ذرةٍ شراً يره) وقولهُ تعالى (وَكُلَّ إنسانٍ ألزمناهُ طائرهُ في عُنقه وَنخرِجُ لَهُ يوم القيامة ،كتاباً يلقاهُ منشوراً أقرأ كِتابك كَفى بِنفسك اليومَ عليكَ حسيباً ) وَتارة يُخبرُنا أن الإنسانَ يعملُ لنفسِهِ لا لغيرِهِ كما في قولِهِ تعالى ( مَّن عَمِلَ صَلحاً فلنفسِهِ وَمَنَ أساء فعليها )  وقولِهِ تعالى (مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) وليسَ أمامَ الإنسانِ ، فُرصَةٌ للعملِ إلا حياتَهُ في هذه الدُنيا ، فاليومَ عَمَلٌ ولا حٍسابٌ وغداً حِسابٌ ولا عَمَلٌ ، وعُمْرُ الإنسانِ قَصِير وأجلُهُ غائبٌ ، لا يدري في أيِّ ساعةٍ يقدُمُ ، وإذا قَدمَ لا يَقبلُ التأخيَر قالَ تعالى : (فإذا جاء أجلُهم لايستأخِرون ساعهً ولا يستقدِمون ) وهذه الأيامُ ، التي تَعيشُها أَيها الإنسانُ في هذهِ الدُنيا ، فُرصةٌ نفيسةٌ لا تُقَّدرُ بثمنٍ ، إن عَرَفَتَ قيمتَها ، وحَفِظَتَها فِيما يَنفعُكَ ، فستُثمرُ لكَ سعادةً دائمة سَرمَدِيةً ،  وأن ضَيَعتَها في اللهوِ والغفلةِ فَسَتثمِرُ لك خَسَارةً دائمة ، فالذين حَفِظُوا حَيَاتَهمُ الدُنيويةَ بالعملِ الصالحِ ، يُقَالُ لَهمُ يومَ القيامةِ : ( كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَة ) والذين ضيعُوا أوقاتَهم ، في هذه الدُنيا باللهوِ واللعبِ والغفلةِ يُقالُ لَهم : ( أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ) فالعمرُ الذي تعيشُهُ ، هو مزرعتُكَ التي تجني ثمارَها في الدارِ الآخرةِ ، فإن زرعتَهُ بخيرٍ وعملٍ صالحٍ ، جنيتَ السعادةَ والفلاحَ وكنتَ مع الذين ينادى عليهم في الدارِ الباقيةِ (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ)  وإن ضَيَّعتَه في الغَفَلات ، وزرعتَهُ بالمعاصي والمُخالفات ، نَدِمتَ يوم لا تَنفَعُكَ النَّدامة ، وتَمَنيت الرّجُوعَ إلى الدُنيا ، وهيهات هيهات (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) وتندمُ إن كنتَ من أهلِ النارِ ، أعاذنا الله وإياك من ذلك ، يومَ يقولُ قائلُهم (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَل) فيقال لهم (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم،
ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمَعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنب وخطيئة فاستغفِروه، فقد فاز المستغفِرون
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقهِ وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله ، وحدهُ لا شريكَ لهُ ، تعظيماً لشانه ، وأشهد أنَّ نبينا محمّداً عبده ورسولُه ، الدّاعي إلى رضوانه ، صلّى الله عليه وعلى آلِه وأصحابِه وأعوانه ، وسلّم تسليماً مزيداً ، أمّا بعدُ:أيُّها الأحبةُ في الله ،صحَ عن النبيِّ e إنه قالَ { لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عن أربعٍ ، عن عمرِهِ فيما أفناهُ ، وعن شبابِهِ فيما أبلاهُ وعن مالِهِ من أين اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ ، وعن علمِهِ ما عملَ بهِ } وروى ابنُ أبي الدنيا بإسنادِهِ عن مجاهدٍ قالَ ما مِنْ يومٍ إلا يقولُ ، ابنَ آدمَ ، قد دخلتُ عليكَ اليومَ ، ولن أرجعَ إليكَ إلى يومِ القيامةِ ، فانظرْ ماذا تعملُ فيَّ ، فإذا انقضى طواهُ ثم يختمُ عليهِ ، فلا يُفَكُّ حتى يكونَ اللهُ ، هو الذي يَفُكُّ ذلك الخاتمَ يومَ القيامةِ ، ويقولُ اليومُ حين ينقضي ، الحمدُ اللهِ الذي أراحني من الدنيا وأهلِها ، ولا ليلةٌ تدخلُ على الناسِ إلا قالتْ كذلك ، فيا أيها الناسُ ، من أمضى يوماً من عمُرِهِ في غيرِ حقٍ قَضَاه ، أو فرضٍ أدَّاهُ ، أو مجدٍ أصَّلَهُ ، أو فعلٍ محمودٍ حصَّلَهُ ، أو علمٍ اقتبَسَهُ ، فقد عقَّ يومَهُ ، و ظلمَ نفسَهُ ، و خانَ عمُرَهُ ، هكذا قالتْ الحكماءُ ، عباد الله صَلّوا رَحمني اللهُ وإيَّاكُم ، على الهادي البشيرِ ، والسراجِ المنيرِ ، كما أمرَكم بذلك اللطيفُ الخبيرُ ، بِقَولِهِ سبحانه ( إِنَّ اللهَ وَملاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبيْ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُواْ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) وقد قال عليه الصلاةُ والسلامُ { حيثما كنتم فصلوا عليَّ فإنَّ صلاتَكم تبلغني }وقال{ من صلى علي صلاةً صلى اللهُ عليه بها عشراً } اللهم صلِّ وسلمْ وأنعمْ وأكرمْ وزدْ وباركْ ، على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ ، وارضَ اللهم عن أصحابِهِ الأطهارِ ، ما تعاقبَ الليلُ والنهارُ ، أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ ، وعن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين ، وعن التابعينَ وتابعِيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ ، وعنَّا معَهم بمنِّكَ وفضلِكَ ورحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ .اللهم أعزَّ الإسلامَ المسلمينَ ، ودمرْ أعداءَ الدينِ من اليهودِ والنصارى ، وجميعِ الكفرةِ الملحدينَ ، اللّهُم يا عظيمَ العفوِ ، ويا وسعَ المغفرةِ ، ويا قريبَ الرّحمةِ ، ويا ذا الجلالِ والإكرامِ ، هبْ لنا العافيةَ ، في الدُنيا والآخرةِ ، اللّهُم اجعلْ رزقَنَا رغداً ، ولا تُشمتْ بنا أحداً ، اللهم إنا نسألُكَ ، بعزِّكَ الذي لا يرامُ ، وملكِكَ الذي لا يُضامُ ، وبنورِكَ الذي ملأ أركانَ عرشِكَ ، أن تكفيَنا شرَّ ما أهمَنا وما لا نهتمُ به ، وأن تعيذَنا من شرورِ أنفسِنا ومن سيئاتِ أعمالِنا ، اللهم رَغّبْنا فيما يبقى ، وَزَهّدْنا فيما يفنى ، وهبْ لنا اليقينَ ، الذي لا تسكنْ النفوسُ إلا إليهِ ، ولا يُعوَّلُ في الدينِ إلا عليهِ ، اللهم اجعلْ بَلدَنا هذا آمناً مطمئناً ، وسائرَ بلادِ المسلمينَ ، اللهم أرحمْ موتانا ، وعافي مُبتلانا ، واقضِ الدينَ عن مدينِنا ، وردَّ ضالَنا إليكَ رداً جميلاً ، اللهم احفظْ بلادَنا وولاةَ أمرِنا وعلماءَنا ودُعاتَنا ، اللهم انصُر جُندنا وحفظ رِجالَ أَمْنِنَا ، ووحِّدْ كلمتَنا وقوي شوكتَنا  ياربَّ العالمينَ ، ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ، عبادَ اللهِ إن اللهَ يأمرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذا القربى وينهى عن الفحشاءِ والمنكرِ والبغي يعظُكم لعلكم تذكرونَ ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

جميع الحقوق محفوظة لمدونة عالم الابتكار 2014